على بُعد خطوات قليلة من بيروت، وبين انتقادات واشنطن التي تبدو وكأنها لم تصبح واضحة بعد، تتوقف لبنان عند باب المستقبل، حيث تقف مهلة غير محددة بين يديه وكأنها تعيد ترتيب الأوراق. لا تزال الأجواء مشحونة بالانتظار، وسؤال الساعة هو: هل سيكون الرد اللبناني خطوة نحو التوصل إلى حل أم مجرد فرصة جديدة لضياع المزيد من الوقت؟
تلك اللحظة المثقلة بالترقب لا تخلو من التأثيرات، إذ تمثل نقطة تحوّل بين لبنان القديم الملتزم بالمحاصصات الداخلية والتداعيات الإقليمية، وبين لبنان الجديد المطالب بتوحيد القرار تحت مظلة الجيش الوحيد الذي يجب أن يتحكم في السلاح.
من سيحدد طريق التحول؟ هل لا تزال بيروت صاحبة قرارها، أم أن مهلة لكن وجيزة قد ألقت بظلالها على مشهد القرار الدولي؟
هل فهم الأمريكيون الرسالة؟ وفي أول تعقيب على الرد اللبناني، أبدى المسؤولون الأمريكيون إشادة بالرد معتبرينه "واقعيًا"، بينما يبدو أن هذا الموقف يحمل في طياته الكثير من الرموز التمسكية: فواشنطن لم تطلب رأيًا بل تعهدًا. كانوا يبحثون عن اتفاق لا عن أفكار، فضلاً عن إطار زمني تاتي به، ينتهي بتسليم السلاح الغير قانوني.
الرد اللبناني، حسب مصادر دولية، لم يكن قاطعًا ولم يكن قاطعًا، ولكنه خرج ببعض النقاط المعهودة للتوسط. إنها مناورة لا تكون المشكلة فيها وإنما في وقتها: فخلال أشهر قليلة يجب أن يكون للاهتمام الأمريكي المحلي الأولوية.
هل القرار لا يزال في يد بيروت؟
الجواب كان يلوح في أوراق الرد اللبناني التي جاءت تحت توقيع عدة كيانات، ولكن القرار الحقيقي كان في يد حزب الله الذي لم يظهر موقفه بشكل مباشر بعد، ولكن أرسل إشارات عبر مواقفه بالرفض لأي مهلة زمنية لتسليم السلاح.
على الجانب الآخر، كان الرد اللبناني لا يزال يفتقر إلى الالتزامات الصريحة، بل وكان يضم شروطًا معينة لأي خطوة تتعلق بالسلاح، منها انسحاب إسرائيل الكامل من الجنوب، وإعادة تفسير القرار 1701. وبهذا يُعتبر الرد اللبناني خطوة إيجابية ولكنها معقدة في الوقت نفسه، حيث كتب بين الحزب والدولة تحت سقفين مختلفين. فهل ستقبل واشنطن بأوراق بها نقاط رمادية؟ أم أنها تعتبرها وسيلة ضغط فقط في انتظار تحولات فعلية؟.
كيف سيكون الرد الأمريكي؟
لا يمكن توقع عودة براك بورقة جوابية تقليدية، بل يمكن أن يحمل تقرير مصيري: إما الالتزام بخطة نزع السلاح أو الضغط بشكل متزايد، بدءًا بتجميد المساعدات ووصولًا إلى تنفيذ عقوبات جديدة.
وحسب مصادر مُطّلعة، فإن الرد الأمريكي لن يكون فقط على الورق، بل سيكون تدخلًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا على حد سواء. وبذلك، ستنتظر واشنطن إجراءات فعلية على أرض الواقع قبل إطلاق أي دعم جديد للبنان. وهناك إيجابية على الإطلاق، إذ أشار الموفد الأمريكي إلى أن من يتأخر الآن قد لا يجد المكانة للانضمام لاحقًا.
ماذا بعد زيارة براك؟
زيارة براك القادمة ستكون الأكثر حسمًا، حيث ستكون ليست زيارة استكشافية بل اختبارًا حاسمًا للمواقف: هل ستنفذ بيروت ما جاء في ورقتها بشكل فعلي؟ وهل سيتغيّر حزب الله موقفه، أم سيختار التصعيد سواء سياسيًا أو عسكريًا؟ ولا يمكن تجاهل الدور التعاوني أو العدائي لإسرائيل في المعادلة.
وعلى الجانب الآخر، تدرك واشنطن خطورة الوضع، وتسهل الاضطرابات في لبنان طريقها نحو مصالح الخصوم الإقليميين. لذا، قد تعيد النظر في المعادلة "الحل مقابل الضمانات"، أي تنص على خطوات تبقي الحزب في نسق التنفيذ وتوفر انسجامًا إسرائيليًا ودعمًا دوليًا مرتبطًا بالإصلاح.
من سيكتب مستقبل لبنان؟
براك ليس صانع مصير لبنان، لكنه يحمل ورقة ذات تأثير ملموس يمكن مقارنته بدور العواصم الكبرى. لحظة الرد الأمريكي ستكون لحظة تحديد المسار، إما بالاستفادة من فرصة دولية للتوجه نحو التغيير، أو الانجذاب مجددًا نحو انتظار قاتل، حيث لا توجد مهلة ولا دعم، ولا حتى موقف محدد.
في النهاية، سيكتب المستقبل بين العاصمتين، لكن السرعة ليست بيد بيروت بل أصبحت خارج نطاقها، حيث لا تأخذ الساعات بل تأخذ براك، وتنتظر الخريطة توقيع تحديد قبل أن تلتف.