تمركزت في وسط منطقة عسير، بالضبط في محافظة النماص، تواصل "المشغوثة" الجنوبية تألقها كواحدة من الوجبات الشعبية المتميزة، التي تعكس شخصية المطبخ الجنوبي الأصيل، وصلته بالعرف والتقاليد الموروثة عبر الأجيال.
تتألف هذه الوجبة التقليدية من مكونات بسيطة؛ فهي تشتمل على دقيق البر، يُطهى بعناية وببطء ليكتسب قواما متماسكا ونكهة غنية، وثم يُزج بالسمن المحلي ويُحلى بالعسل الجبلي، لتكون بذلك وجبة غذائية متكاملة ومحببة لدى السكان والزوار على السواء.
يُقدم هذا الطبق في أوان خشبية تقليدية تُسمى "(الصحاف)"، وهي صحون صُنعت يدويًا، تضفي على "المشغوثة" لمسة تراثية خاصة، تجسد روح الكرم الجنوبية.
ملاحظ أن هذا الطبق لم يعد محتكراً على كبار السن أو المناسبات التقليدية والاجتماعية فقط، بل أصبح رمزاً للفخر والارتباط المحلي، لدى الشباب والفتيات من أبناء النماص، الذين بادروا إلى إحياء هذا الإرث، من خلال تقديمه في الفعاليات والمهرجانات، حتى في استقبال الضيوف والسياح، كتعبير عن الكرم والأصالة.
يحرص هؤلاء الشباب على الحفاظ على المطبخ الجنوبي التقليدي، ليس فقط بإعداد "المشغوثة"، بل أيضاً بإحياء باقي الوجبات الشعبية، مثل "العريكة" و"العصيدة" وخبز "الفطير"، وتقديمها بأساليب جذابة وعصرية، مع الحفاظ على جوهرها التقليدي ومكوناتها الطبيعية.
يؤكد عدد من شباب وشابات النماص، أن مسؤوليتهم تجاه الإرث الثقافي، لا تقتصر على تذوقه أو عرضه، بل تتضمن نقله للأجيال القادمة، وتوثيقه كجانب من الذاكرة الجماعية ليظل حيًا في زمن الحداثة. تلك الجهود تسهم في محاربة اندثار الوجبات الشعبية، وتعزيز السياحة الثقافية التي تشهد نموًا ملحوظًا في المنطقة.
في ظل هذا التحرك الواعد، تبرز "المشغوثة" أكثر من مجرد وجبة شعبية، بل كقصة انتماء وهوية، ترويها الأيادي الشابة في النماص، بكل فخر لكل من يأتي زائرًا لأرض الجنوب.