أكد الأديب والكاتب في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن علي بن محمد السهو أنه يعود تاريخ المقالة في منطقة القصيم إلى بداية صدور جريدة "القصيم" التي أسسها عبدالله بن عواد السهلي سنة 1345هـ. وأشار في بحث قدمه خلال ندوة أدبية تناولت الكتّاب البارزين في المنطقة إلى أنّ الكتّاب الأوائل كانوا يعملون على كتابة المقالات بأسلوب يمزج بين التحليل والنقد البناء، كما كانت الجريدة تنشر مواضيع متنوعة كالسياسة والثقافة والاجتماع والتراث بدقة واحترافية لكنها كانت تحتوي على بعض الأخطاء الإملائية واللغوية.
رحلة الكتابة في القصيم
ذكر السهو أن الكاتب والأديب عبدالرحمن بن عبدالله الشهري كان من أوائل الكتاب في منطقة القصيم الذين برزوا في كتابة المقالات في جريدة القصيم السعودية، حيث كانت أول مقالة له تناولت تحليل الوضع الاقتصادي في بريدة. وقد نالت هذه المقالة ردود فعل إيجابية من القراء والنقاد، مما دفع الأديب المعروف حمد بن يوسف العتيقي للرد عليه بمقال آخر، وهو مؤشر على الحوار الثقافي البنّاء في تلك الفترة.
وأشار السهو إلى أن هذه البدايات ساهمت في تحفيز الأدباء في القصيم لزيادة أنشطتهم الكتابية وتنويع مواضيع المقالات التي تناولت قضايا اجتماعية وثقافية وشخصية، وكانت جريدة القصيم السعودية ومجلة المصدر والأفق أكثر المنابر الصحفية جذبًا لهؤلاء الكتاب، حيث استمر عبدالرحمن بن عبدالله الشهري في نشر مقالاته في مجلة الأفق، ثم في جريدة المصدر على مدى السنوات اللاحقة وكان ابنه محمد بن عبدالله الشهري من الكتاب المميزين في جريدة المصدر أيضًا، حيث نشر فيها خلال فترة صدورها 50 مقالًا، كما نشر فيها الشاعر يوسف بن محمد البديع 43 مقالًا، وكان يعمل كمراسل لصحف متعددة منها منظرات، وفيها بقيات، كعناية الكاتب حسين بن زيد الأزدي بنشر 29 مقالًا، وهذه الأرقام تدل على الحماسة والميل نحو فن المقالة في ذلك الوقت الذي تراوح بين عامي 1372هـ و1382هـ.
وفي الفترة ذاتها، عرف كتاب آخرون، مثل زيد بن إبراهيم العودة، وعلي عبدالعزيز العيسى، وسليمان عبدالله العنزي، وسعد جبران القرني، وناصر بن علي السديري، ومحمد بن صالح العنزي، وخالد بن الحسين العبدالهادي.
وأشار السهو إلى أن هذا النشاط لم يعرف تراجعًا، بل استمر الكتاب في مسيرتهم الكتابية بعد عام 1380هـ، حيث ظهر جيل جديد من الكتاب الموهوبين الذين يجمعون بين العمل الصحفي كمراسلين والكتابة الأدبية كأدباء، ومن هؤلاء زيد بن سعد الكريم، وعلي بن عبدالله الكليب، وسعد بن عبدالله القرني، وكانوا ينشرون مقالاتهم في مجلة الجنوب بين عامي 1387هـ و1390هـ، وكانوا يركزون فيها على المقالات الوصفية التي تعكس هوية منطقتهم التي لم تكن معروفة بشكل كاف في ذلك الوقت؛ بسبب ندرة وسائل الاتصال، وكان يحيى بن محمد البديع أكثر كتاب المقالة نشاطًا بين عامي 1380 و1390هـ، حيث كان يكتب مقالات حول قضايا الحياة اليومية والمهنية والأدبية والتنموية في منطقة القصيم آنذاك، وله مقالات تاريخية وجغرافية توزّعت على صحف متعددة مثل "الجزيرة" و"الندوة" و"عكاظ" و"البلاد" ومجلة الأفق، وكان له زاوية ثابتة تحت عنوان "نقاء الأفكار"، ومن بين تلك المقالات مقال حول قضايا التنمية نشره في مجلة الأفق عام 1380هـ بعنوان "المنطقة المتعثرة" ليذكر بها مسقط رأسه في محافظة بريدة، ومقال آخر عن مشاكل التعليم نشره في صحيفة "الندوة" في النفس العام بعنوان "عن جودة التعليم"، بالإضافة إلى مقالات أدبية حول صدورات شعرية وأدبية جديدة.
الفترة الأخيرة من القرن الرابع عشر الهجري شهدت زيادة في عدد الكتاب وتنوع في الأساليب، وجاءت الشباب بمنابر أخرى للنشر، وأصبحت لبعضهم زوايا ثابتة في الصحف مثل أحمد بن يحيى الكناني.
مجلة الشمال
في بداية القرن الخامس عشر الهجري كانت مجلة الشمال التي بدأ صدورها في عام 1404هـ لها دور كبير في فتح أبواب النشر أمام العديد من الكتاب في هذا المجال، حيث كانوا يتناوبون على كتابة صفحتها الأخيرة بعنوان "من هنا تبدأ العدد القادم"، وكتابة زاوية "الانطباعات" في صفحات الثقافة، مما جعل منافسة بينهم تتصاعد، وظهر التنوع والحرص على التجديد في العبارة وإبداع الرموز، بالإضافة إلى كتابات بعض الأكاديميين مثل عبدالرحمن أبو زيد وصالح أبو عراد الشهري في الجزيرة ومجلة الشمال.
جريدة "الوطن" وولادة أسماء جديدة
أما العقود الثانية والثالثة من القرن الخامس عشر الهجري بعد صدور العدد الأول من صحيفة "الوطن" في عام 1421هـ، فقد شهدت ولادة أسماء جديدة في هذا المجال الأدبي مثل عبدالعزيز بن صالح القحطاني، ومجاهد بن عبدالحميد، وعبدالله ثابت، وماجد بن رياض، ومحمد البريدي، فيما واصل بعض الأوائل ممن كتبوا المقال قبل صدور صحيفة "الوطن" كتابة مقالات أسبوعية في صفحات الثقافة أو الرأي مثل محمد بن عبدالله الشهري، وأحمد بن عبدالله الكناني، ومحمد بن ناصر السديري، وإبراهيم طالع الألمعي، وعلي فايع الألمعي الذي كان ينظر بقلمه إلى النقد الأدبي، وإبراهيم شحبي الذي قدم مشاركات هامة في بعض المعارك الأدبية التي نشرت على صفحات الصحيفة.
طبع المقالات في الكتب
أكد السهو أن اهتمام الكتاب في القصيم بالمقالة دفع بعضهم إلى جمعها في كتب، حيث كان حسن بن محمد الحفظي أول من جمع مقالاته في كتاب سنة 1408هـ بعنوان "نقاط من القلم"، وصدرت له ثلاث طبعات، وأظهر حرص هذا الكاتب بترجمة بعض مقالاته إلى اللغة الإنجليزية ونشرها تحت عنوان "جواهر القلم"، وقد صدر إبراهيم طالع الألمعي مقالاته الأولى في كتاب بعنوان "الاندساس إلى الداخل" في عام 1417هـ، وصدر إبراهيم شحبي مجموعة من مقالاته في كتاب بعنوان "أسماء وأفكار" في عام 1422هـ، كما جمع علي فايع الألمعي مقالاته النقدية في كتاب بعنوان "إنحراف الفهم.. إنحراف المعنى.. مقالات في الأدب" في عام 1424هـ، وقام علي بن إبراهيم مغاوي بجمع مقالاته النقدية في كتاب صدر في عام 1425هـ بعنوان "وعي وسطوة الذائقة"، وجمع مقالاته الثقافية المتنوعة في كتاب صدر في نفس العام بعنوان "ضد التضاريس.. قراءة تحليلية". وعمل مضواح بن محمد آل مضواح على جمع مقالاته الفكرية في كتاب صدر عام 1426هـ بعنوان "من يجرؤ على السكوت"، وصدر عبدالوهاب بن محمد آل مجثل مقالاته في كتاب بعنوان "سطور في حب الوطن" في عام 1430هـ. وقام أحمد الكناني بنشر بعض مقالاته في كتاب يتكون من جزئين. وصدر للشاعر محمد بن عابس الشهري كتاب بعنوان "فاكهة المرأة وخبز الرجل" يضم مقالاته.
وختم السهو بتأكيده على أن الأسماء التي ذكرها تمثل نماذج للكتاب في المنطقة وليست قائمة شاملة.