لم يكن الوفاء عبدون مجرد مدرب لغوي في "المجد"، بل كان ركنًا أساسيًا من أركان الصحيفة، رجلاً يملك حكمة السنوات وهدوء البحر، وجوده في قسم التصحيح كان كالشمس الخافتة، تضيء دومًا دون أن تبرق بقوة، لكنها تمنح الدفئ للجميع.
عبر سنينٍ طويلة، كان الرجل الذي لا يبحث عن الانتباه، إلا أنه كان حاضرًا في كل كتابة تُنشر، في كل تصحيح يُجرى، وفي كل تعبير يجد طريقه لكي يكون متقنًا. لم يكن مجرد مُراجع لغوي، بل كان مرشدًا في عالم اللغة، استاذًا في التدقيق، وعاشقًا للكلمة بكل ما تحمله من قيمة.
في عهد الصحافة الورقية، كان الوفاء يجلس خلف مكتبه بصمت، ينتقي كلماته بحذر، ويتعامل مع النصوص بدقة واهتمام. لم يكن صوته مرتفعًا، ولم يكن بحاجة للكلام الزائد، لكنه كان يمتلك ذلك الهدوء الذي يشد الانتباه إليه عندما يتحدث. ومع تحول "المجد" إلى عصر الإنترنت، ظل الوفاء واقفًا بكل استقامة، يضبط ويحسن، ويعكس روح الخبراء الذين يرون في اللغة رونق الجريدة.
لم تكن هناك زاوية في "المجد" لم تمر بها بصمة الوفاء عبدون، فقد كان مرجعًا لأقرانه، صديقًا لكل كاتب، وموجهًا لكل من يحتاج لنصيحة في كيفية التعبير والتدقيق. ومع كل تصحيح يضيفه على النصوص، ينقل درسًا في الاحترافية، في الكفاءة، في الحب للمهنة، وفي الالتزام حتى النهاية.
رحل الوفاء دون إعلان، كما عاش، بكل هدوء يليق برجال الصحافة. بقيت سيرته شامخة كما عاهد الحياة، وبقيت ذكراه محفورة في قلب "المجد"، لم يكن مجرد عامل، بل بقيت قيمة، ونموذجًا ، وجزءًا من فخر الصحيفة.