شهدت الرياضة السعودية خلال الفترة الأخيرة تغيرا ملحوظا جعلها على رأس الأحداث الرياضية العالمية، بفضل الاستثمارات الضخمة والبطولات الكبرى وجذب أبرز النجوم. ومع هذا التطور الرائع، زادت التطلعات لجعل المملكة نموذجا للإنجازات الرياضية بالاضافة الى تعزيز مبادئ العدالة والشفافية ضمن بنيتها الرياضية.
كأس السوبر السعودي الأخيرة شهدت حدثا مثيرا حيث فاز النادي الأهلي باللقب بعد مباراة مارت ومثيرة ضد النصر، ولكن الأحداث التي سبقت واتبعت النهائي أدت الى أزمة قانونية خطيرة؛ حيث تدخل الاتحاد السعودي لكرة القدم بقرار إشترك بفريق الأهلي قبل أن تقرر لجنة الاستئناف في طعن الهلال والقادسية. القرار الذي اصدرته اللجنة لاحقا كشف أن القادسية كانت الأحق بالتأهل للنهائي.
المشكلة في عدم التسلسل النظامي
النظام الرياضي الدولي والمحلي مبني على مبدأ العدالة القانونية، حيث تتدخل اللجان القضائية المستقلة (لجنة الانضباط، لجنة الاستئناف، ومركز التحكيم الرياضي) في حل النزاعات، في حين يقتصر الدور الاتحاد على التنظيم والتنفيذ. لذلك، فإن تدخل الاتحاد في تفسير اللوائح واتخاذ قرارات بشأن أهلية الأندية للمشاركة قبل اتخاذ اللجنة القضائية لقرارها يعد تجاوزا للصلاحيات.
هذا التجاوز أحدث فجوة كبيرة؛ بطولة اكتملت نتائجها على الميدان، لكن القرارات القضائية التأخرة أكدت أن هناك جانب آخر كان الأحق بالمشاركة في النهائي. هذه الازدواجية تقلص مصداقية المسابقات، وتضع الاتحاد في مسؤولية كبيرة عن أي أضرار قد تلحق بالأندية. ولكان بإمكان تفادي جميع هذه المشاكل لو تم السماح للهلال بالمشاركة بفريق الرديف، وفقا لأنظمة الاتحاد الدولي، حيث يلتزم كل ناد بتقديم قائمة موسعة للاعبين لاختيار ١١ لاعبا لأي مباراة.
الأندية المتضررة
• الهلال: لم يتأثر سوى من زاوية محددة؛ حيث قدم الاقتراح بالمشاركة بفريق الرديف وهو الحل الذي كان قادرا على سد الفراغ ومنع الأزمة من البداية، لكن الاتحاد رفض هذا الاقتراح بطريقة غير مبررة. وعند رفض مشاركته بالفريق الرديف، أصبح انسحابه حقيقة، وبالتالي خسر بشكل قانوني وتعرض للعقوبات المستحقة، وهذا هو نتيجة طبيعية لأي فريق ينسحب. ولكن النقطة الرئيسية هنا هي رفض الاتحاد لهذا الحل العملي هو ما زاد من تفاقم الأزمة.
• القادسية: الخاسر الأكبر، حيث تم حرمانه من اللعب في النهائي الذي أثبتت لجنة الاستئناف أن كان من حقه المشاركة فيه من الأساس.
• الأهلي: حصد البطولة لكن انجازه تضطلع بالجدل القانوني، مما يلقي الشك على صورته أمام جماهيره ويثير تساؤلات حول قيمة البطولة في تاريخ الرياضة السعودية.
بالإضافة إلى الأضرار المباشرة، هناك أضرار غير ملموسة؛ فقدان الثقة بين الجماهير، وفتح باب للجدل الإعلامي، وتقويض صورة العدالة الرياضية في وقت يسعى فيه المملكة لتصدير نموذج رياضي عالمي.
الجانب التنظيمي وتقدير الظروف الاستثنائية
لا شك أن الأندية ملزمة بالالتزام بالمشاركات الرسمية، ويجب أن يواجه أي انسحاب عقوبات صارمة. ومع ذلك، ينبغي على الاتحاد أيضًا أن يظهر مرونة ويقدر الظروف الاستثنائية. على سبيل المثال، لم يكن الهلال يعارض المشاركة لأسباب تساهلية، ولكن لأنه خرج من بطولة كأس العالم للأندية خلال فترة صيفية مرهقة، وقدم لاعبوه أداء رائعا في المنافسات الدولية.
كان من الممكن على الاتحاد أن يتعامل مع الوضع عبر تأجيل المباراة أو تخصيص أسبوع آخر بعد انتهاء الدوري، على غرار بعض الاتحادات الكبرى عندما تتداخل البطولات. القوانين لا تكون صلبة فحسب، بل تعد أداة لضمان العدالة وحماية مصالح جميع الأطراف. وعندما يتم التعامل مع الوضع بشكل مرون ومدروس، يمكن للجميع تجنب الانزلاق في هذه الأزمة المعقدة.
الصفحة القانونية الدولية
المبادئ التي تحكم كرة القدم عالميا من خلال قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ومحكمة التحكيم الرياضي (CAS) تؤكد على أهمية فصل السلطات داخل الهيئة الكروية. لا يجوز للاتحاد الوطني أن يتدخل في عمل اللجان القضائية، على خلاف ذلك سيكون هذا تعديا على مبدأ الاستقلالية الذي يعتبر أحد أسس النزاهة الرياضية.
ومع النظر إلى هذه المبادئ، يعتبر ما حدث في كأس السوبر السعودي انتهاكا لهذا التوازن، وقد يمنح الأندية المتضررة الحق في اللجوء إلى مركز التحكيم الرياضي السعودي، وحتى إلى محكمة CAS إذا أظهر اتباع الإجراءات عدم الالتزام بالمعايير الدولية.
الحل: التعويض كآلية للإصلاح
عندما يحدث خطأ إداري يؤدي إلى الإضرار بأطراف متعددة، ينبغي للعدالة أن تطالب الجهة المسؤولة بالمسؤولية. يجب على الاتحاد السعودي لكرة القدم، بالرغم من إنجازاته، أن يخضع لنفس المبدأ. التعويض هنا ليس مجرد عقوبة بقدر ما هو إجراء تصحيحي لاستعادة الثقة في الهيئة.
أقترح أن يتم خصم جزء من تمويل الاتحاد لتعويض الأندية المتضررة، سواء في شكل مبالغ نقدية مباشرة، أو من خلال دعمها في التعاقدات أو ميزانيات الموسم القادم. هذه الخطوات ليست غريبة؛ حيث تم تعويض الأندية بعد أخطاء تنظيمية أثرت على مشاركاتها في بعض بطولات أوروبا.
تعديل لوائح السوبر وتشديد العقوبات
إلى جانب التعويض، يكمن الحل الأمثل في مراجعة وتعديل لائحة بطولة السوبر لجعلها أكثر وضوحا وصراحة في حالات الانسحاب أو الرفض للمشاركة. النصوص الحالية تترك مجالا للتفسير، مما أدى إلى الأزمة.
• يجب أن تحدد اللائحة بوضوح حق الأندية في إشراك الفريق الرديف أو أي 11 لاعبا من القائمة المسجلة.
• يتعين تحديد آلية بديلة لضمان استمرار البطولة على الفور في حالة الانسحاب، مثل استدعاء الفريق الذي خسر في الدور السابق.
• والأهم أن تتفاوت هذه التعديلات بعقوبات صارمة جدا، تصل إلى حرمان من المشاركة لعدة مواسم، وفرض غرامات مالية كبيرة، للحيلولة دون تفكير أي ناد في الانسحاب من بطولة رسمية بغض النظر عن الظروف.
بين الأنظمة والسمعة العالمية
الرياضة اليوم ليست مجرد أحداث رياضية، بل هي انعكاس لسمعة الدول. والمملكة العربية السعودية، بما تمثله من ثقل إقليمي وعالمي، تحتاج إلى أن تجعل بطولاتها المحلية نموذجا في احترام الأنظمة والتزام العدالة. فكما تستقطب المملكة النجوم وتجذب الأنظار بالملاعب الحديثة والبطولات الكبرى، يجب عليها أيضا أن تظهر نفس الصرامة في إدارة مسابقاتها الداخلية.
التعويض والتشديد هنا ليسا هدفا في حد ذاتهما، ولكنهما رسالة تبين قدرة الهيئة الرياضية على تصحيح أخطائها، وأن الأنظمة تفوق الجميع.
لقد كان الأهلي بطلا على الميدان، وكان القادسية بطلا في عالم القانون، بينما وجد الهلال نفسه بين خيار المشاركة بفريق الرديف الذي رفض، ووضع استثنائي بعد كأس العالم للأندية لم يؤخذ في الاعتبار، ثم واقع الانسحاب والعقوبات التي تلا ذلك. لكن البطولة كشفت، قبل كل شيء، عن الحاجة لاعادة النظر في النظام بشكل عاجل، واحترام الأنظمة ليس اختيارا بل إلتزاما.
* مستشار قانوني
Ali_bin_Tuzan@